الأربعاء، 11 يوليو 2012

سحر وخرافات أخرى

سحر وخرافات أخرى

خلال رحلتي إلى سوسة بتونس تعرضت ورفيقتي لحادث سير خطير كاد يودي بنا وتسبب في دمار جانب كبير من سيارتي ، تركناها للإصلاح واستأجرنا أخرى و لم أخبر أحداً في ليبيا.
في الصباح الباكر تلقيت اتصالاً هاتفياً من قريبة تربطني بها علاقة مميزة فإذا بها تسألني عما جرى لي البارحة ! ، كانت متأكدة أن ثمة شيء جلل تعرضتُ له وإن لم تستطع تحديده !
فكيف علمت؟!
علمياً تفصل بيني وبين قريبتي مئات الكيلومترات ، وعملياً هي لم تُبلغ بحرف مما حصل معي ، وعلمياً وعملياً لا يمكن لها أن تعرف بشيء.
فهل كان ذلك عن طريق التخاطر؟ ، أم هي تمارس السحر ؟ أم أخبرها جني طيار كان يتنقل بين تونس وليبيا؟!

يستدل بعض العقلانيين المؤدلجين على وجود الجن والكائنات الخفية بقولهم إن عدم قدرة الإنسان على رؤيتهم ليست دليلاً على عدم وجودهم حيث أن في الوجود الكثير من الأشياء التي لا ترى ومع ذلك يؤكد العلم وجودها كأنواع الآشعة المختلفة والكائنات المجهرية من بكتيريا وجراثيم .
وهذا كما هو واضح استدلال غبي ، لأن الآشعة أو الجراثيم يتمكن للإنسان من رصدها أو ملاحظة أثرها بالحواس والنتائج ، على عكس الحال مع الجن وباقي القوى الخفية.

هل يمكن لقريبتي أن تكون قد استخدمت السحر؟
ولكن السحر حسب المفهوم الدارج مرتبط بالجن من جديد حيث أن الساحر يستخدم هذه الكائنات المزعومة من أجل تحقيق هدفه ، ولكي نتمكن من التعرف على السحر يجب علينا أولاً إثبات وجود أدواته التي من أولها الجن .

تقول العزيزة Pure:
(القصد من البحث في هذا الموضوع المحيّر أن السحر إن كان يحدث بالفعل فهذا بمعاونة الجن (كما نسمع) والجن إن وُجد فهذا يعني أن المخلوقات الخفية لها وجود مثل الملائكة والشيطان .. إلخ
العلم لا يثبت هذا الشيء
ولكن يظل الأمر محيّرًا بالنسبة لي)

والحيرة تأتي من عدم قدرتنا على نفي السحر والجن والقوى الخفية والباراسيكولوجي من حياتنا هكذا بجرة قلم لمجرد أننا لا نعتبر ذلك علماً مثبتاً حتى الآن ، إن المسألة تبدو لنا أكبر من ذلك وأكثر رسوخاً في العقل الجمعي لثقافتنا خصوصاً والبشرية عموماً ، ونحن نسمع وربما نشاهد قصص وحالات ومواقف تدل على وجود تلك القوى بشكل أو بآخر ، وإن كانت تدل على ذلك بطريقة متملصة لا تصمد أمام التمعن عادةً.

فما أصل الحكاية؟
لنبدأ بتعريف الوعي إذاً ومنه يمكننا مواصلة استجلاء الأمر
الوعي: هو ما يحصل في الدماغ من شعور وإحساس وإدراك بالذات وبالآخرين.
منشأ الوعي إذاً مادي وهو تحديداً القشرة الدماغية ، ولكنه لا يبقى كذلك طويلاً ، فهو يتحول من منشأه الفيزيائي المادي إلى طاقة تصويرية نطلق عليها الإدراك ، وبما أن الإنسان متفوق من حيث تطور دماغه مقارنةً بباقي الرئيسيات فإن انبثاق الوعي ناتج عن هذا التطور بالذات الذي يفوق سواه بمراحل.
بهذا يتبين أن الوعي عبارة عن مادة (الدماغ) أنتجت موجات كهرومغناطيسية أو طاقة (الإدراك) ، وهذه المادة تطورت منذ ملايين السنين على مراحل حتى بلغت هذا المبلغ الذي يميزها عن باقي الأدمغة.
المشكلة أن الوعي مراوغ ولا يمكن رصده علمياً بشكل ثابت ، وكون المختصون يجمعون على أن الوعي ينشأ في الدماغ لا يحل المشكلة بل يزيدها تعقيداً ، فكل ما نعرفه في هذا الصدد أن هناك تيارات عصبية تجري في خلايا الدماغ تنتج الوعي .. ولا ندري إن كان دورها يقتصر على انتاج هذا الوعي أم أن تطورها قد وصل بها إلى إنتاج ما هو أكثر من ذلك ، سيما وأن بعض الأبحاث قد بيّنت أن الوعي قابل للإنتقال من صاحبه إلى غيره ، كما نرى في بعض الدراسات العلمية التي أجريت على ظاهرة التخاطر عن بعد.
فهل أمكن للوعي أن يطور آليات متعدية إلى الغير ، وهل يمكن للوعي أن يؤثر في الأحداث المادية للبشر؟

يزعم كثيرون أن للعقل الباطن قوة قادرة على إحداث تغيير عملي في حياة الشخص ، وأنها قادرة على إستبدال الفشل بالنجاح أو العكس ،وهذا الطرح رغم ما يعتريه من مبالغات ثبت خطأها ، إلا أنه لا يخلو من إشارات صحيحة على قدرة الوعي في الامتداد إلى الخارج.
و الدواء المزيف الذي يُعطى عادةً إلى جزء من العينة في اختبارات الأدوية يعكس تصديق الطب بقدرات العقل في الإيحاء والتأثير الاستشفائي العضوي بأدوات تطورت في الدماغ ولازالت لغزاً يسعى العلم إلى حله.

لقد تطورت أعضائنا ومهاراتنا كثيراً عن أسلافنا ، والوعي في الدماغ أيضاً خضع لمدة زمنية هائلة الطول بدوره ، ولا شك أنه تطور لينتج مهارات وقدرات تخصه وعلى طريقته خدمةً للبقاء.

بهذه الخلفية يمكن أن نتبين قدرات السحرة والمشعوذين في استخدام وعيهم للتأثير على المتلقي بالإيحاء واستخدام قوة عقله الباطن لتحقيق نتائج ملموسة على حياته ، كل الماديات التي يستخدمها السحرة من العقد في الخيط مروراً بالخطوط والطلاسم والآيات القرآنية المجزأة والمقلوبة وانتهاءً بأيادي الموتى والديك الأسود لا شأن حقيقي لها بالموضوع ! ، ولكن تميز هذه الأشياء في الدماغ من حيث الإيحاء وارتباطها بالغموض في ذاكرتنا يعين الساحر في استخدام وعيه ووعي الآخرين لتحقيق هدفه علينا.

الأمراض النفسية والعصبية والعقلية تصيب الدماغ وتنتهي إليه وتؤثر على عمله فتؤدي إلى أعراض مطابقة تماماً لتلك التي يرى المسلمين أنها أعراض الممسوس من الجن ، وإذا كنا نرى هنا وهناك بعض السحرة يدعون أنهم يستخدمون الجن للعب بالآخرين وإيذائهم فهذا ربما ناتج عن وعي الساحر وتأثيره على وعي الشخص مما قد يورث أمراضاً نفسية تتطور إلى ما هو أشد.

ورد في موقع الذاكرة : (منذ البدايات المبكرة لظهور الوعي بالذات كان الانسان يلجأ الى السحر والسحرة من اجل الشفاء ومعالجة وجع الاسنان او لشراء الحب والحظ او من اجل الحاق اللعنة على جار له او منافس وحتى من إجل رشوة الارواح والقوى العليا وشراء رضاها. وعلى الرغم من قدم السحر والانتشار الواسع له، الا ان السحرة القدماء تركوا اثارا قليلة تدل عليهم، وهو امر ليس بغريب ، ونحن نرى كيف يجري إجتزازهم بصمت وعنف. لهذا السبب كان من المُدهش ان تقوم الاركالوجية Jacqui Wood بالعثور على بقايا التضحيات والاضاحي التي لايمكن تفسيرها الا في سياق فن السحر، وهي اشياء قد عثر عليها في حفر عديدة لمنطقة قديمة تعود الى ماقبل 8500 سنة.)

بالتالي فإن تبني التاريخ القديم للسحر كمبدأ مسلم بصحته ومسايرة الأديان له في ذلك ليس من فراغ ، هناك قرائن ملموسة وغير مباشرة روعيت في تعاقب الأجيال حتى أصبح السحر وباقي القوى الخفية مصطلح متفق نسبياً على وجوده ولكن هذا لا يعني أن المسببات التي تدعيها الأديان والسحرة أنفسهم فضلاً عن العامة صحيحة بالضرورة.
الجن مثلاً كائن خرافي بالكلية ، ولا يوجد أدنى دليل على وجوده ، ولم يسبق لجني أن ظهر أو قام بأي عمل مادي أو معنوي يمكن الاستناد عليه ، لدرجة أنني على استعداد للإيمان بوجود ألف كائن فضائي على أن أؤمن بوجود جني واحد!

وشغف الأديان بهذه الكائنات سواء كانت جناً أو أرواحاً شريرة أو شياطين أو ملائكة أو حتى الشجاع الأقرع نفسه ناتج عن حاجتها إلى مراكمة الغيبيات إلى الحد الأقصى لإقناع الناس أن العلم المادي وحده لا يكفي لتفسير كل شيء ، وفي نفس الوقت أغلظت الأديان على السحرة والمشعوذين وباعدت بينهم وبين رجالاتها من مشايخ الدجل والأكاذيب خشية افتضاح سر هيمنتهم على معظم الناس ، وهم في الواقع يتبعون ذات الوسائل التي يتبعها السحرة ، فمثلاً عندما يتمتم الشيخ بالأدعية والآيات ويرفع صوته ويخفضه ويدعي أنها تشفي وترقي وتحقق الرغبات وتغفر الزلات وتزيد الأرزاق إنما يستغل انعكاس القدسية والغموض على وعيه ووعي المتلقي مما ينجم عنه التسليم بصحة ذلك عن طريق الإيحاء والتخييل ونحوهما فقط ودون الحاجة إلى تطبيق أدوات التحليل المنطقي على الموضوع بالمطلق!

إن إحساس قريبتي عن بُعد بحادث السير الذي جرى لي لم ينتج عن استخدام الجن بالتأكيد ولا قدرات سحرية ، ولكنه الارتباط العاطفي والتمازج العقلي وتطور أدوات الوعي في التواصل الذي ربما أدى إلى انتقال رسالة غامضة آلاف الكيلومترات! ، أو هي مصادفة محضة على أبسط تقدير.

وبالمناسبة
مؤسسة جيمس راندي العلمية تعرض منذ سنوات عديدة جائزة قدرها مليون دولار كاملة لمن يستطيع أن يثبت أن لديه ما يعد خارقاً للطبيعة ، بشرط القبول بأن يُخضع ذلك إلى إختبار علمي دقيق ، و السيد جيمس راندي يضع خده على راحته منتظراً أن يطرق أي ساحر أو مشعوذ أو صاحب رقية شرعية شافية أو ذو خاصية تخاطر أو وسيط روحاني أو مُخرج للجن من الجسد ...أو..أو...إلخ باب المؤسسة طالباً المليون دولار واثقاً مما لديه قابلاً أن يخضعه لإختبار علمي ممنهج ودقيق ، وحتى الآن كل من تجرأ وطرق ذلك الباب عاد خائباً وقد انكشفت خديعته ، ولازال هناك مبلغ وقدره مليون دولار ينتظرمن يستطيع نيله.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق